ولا نقف كثيرا عند تعريف الفرح، إذ أنه أمر معروف ومشاهد ومجرب، فهو ذلك الشعور النفسي التلقائي والطييعي الذي يحدث عند كل أحد في حالات وأوقات مختلفة في حياته، كلما أشبع رغبته وحاجته، ونال ما يحبه ويشتهيه، وحقق ما يهدف إليه ويسعى للحصول علية. ويقول عنه ابن القيم: ط§ظ„ظپط±ط لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى، وهي عبارة موجزة جامعة تتفق معها تعريفات علماء النفس المعاصرين.
ومع هذا الفهم الواضح لمعنى الفرح، إلا أنه من الواضح أن الناس يتفاوتون فيه تفاوتا عظيما، وتباينون فيه تباينا كبيرا. يتفاوت الناس أولا في دوافع فرحهم وأسبابه، ويتفاوتون ثانيا في مدى فرحهم ومقداره وإن اتحد الدافع والسبب، ويتفاوتون ثالثا في آثار هذا ط§ظ„ظپط±ط في سلوكهم وتصرفاتهم وفي الطرق التي يعبرون بها عن فرحهم. ولهذا نفرأ في كتاب الله تعالي عن ط§ظ„ظپط±ط قول الله تعالى: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) وقوله تعالى (وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ) ، ونقرأ فيه أيضا قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ)، وقوله تعالي (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ). وهذا التفاوت في الحديث عن ط§ظ„ظپط±ط في كتاب الله تعالى لا يرجع إلى طبيعة ط§ظ„ظپط±ط ولا ماهيته، فالفرح هو ط§ظ„ظپط±ط وهو هذا الشعور النفسى بالسرور المعروف، ولكن الذي يميز بين فرح وفرح وبين سرور وسرور، فيجعل بعضه منهيا عنه ومذموما من الله تعالى، ويجعل بعضه محمودا ومأذونا فيه، هو الاختلاف في الدوافع التى تدفع إليه، أو في الآثار السلوكيه التى تصاحبه وتنتج عنه.
فالفرح من ناحية كونه انفعال نفسي هو أمر مشترك بين الناس جمعيا، ولكنه من ناحية دوافعه ومداه والتعبير عنه وآثاره السلوكية، فهو أمر نسبي يختلف من شخص إلى شخص ومن فرد إلى آخر، ومن مجتمع إلى مجتمع. وتعتمد هذه العوامل كلهاعلى نوع أهداف الإنسان في حياته، وعلى موازيينه وقيمه التي تضبط شهواته ورغباته، وتزين له ما يحب، وتحكم تصرفاته وسلوكه.
ومن أجل أن تتضح رؤية المسلم للفرح ومكانته في حياته، نستقرئ القرآن ونتعرف على الآيات التى تناولت الفرح فيه. ولعل مفتاح مفهوم ط§ظ„ظپط±ط في القرآن قول الله تعالى تعقيبا على تعذيب الكفار في النار (ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ).
فمن الواضح أن القرآن يقسم ط§ظ„ظپط±ط إلى نوعين فرح بالحق وفرح بغير الحق. فالقرآن هنا لا يعيب ط§ظ„ظپط±ط في أصله وطبيعته، وليس باعتباره انفعالا نفسيا تلقائيا، وإنما يفرق بين دوافع ط§ظ„ظپط±ط وأسبابه وآثاره. ولكن ما الفرح بغير الحق الذي تشير إليه الآية. يقول الطبري في تفسير قوله تعالى: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) غافر: 75، يعنى هذا الذي فعلنا اليوم بكم أيها القوم من تعذيبنا لكم العذاب الذي أنتم فيه، بفرحكم الذي كنتم تفرحونه في الدنيا، بغير ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي، وبمرحكم فيها، والمرح: هو الأشر والبطر. فدوافع ط§ظ„ظپط±ط هنا تحقيق رغبات ومتاع وملاذ غير مشروعة ومحرمة شرعا. فهو فرح بشئ لا يفرح به ذي عقل لأن عاقبته خسران وخيبة. ثم إن ط§ظ„ظپط±ط بحصول ما ظنوا أنه مكاسب قد أشعرهم بتميزهم على الآخرين فدفعهم إلى الفخر والكبر والتعالي على الناس والأشر والبطر. فهذا السلوك السيئ هو نتيجة خاطئة للفرح ولهذ كان كل هذا سببا من أسباب العذاب.
وعلى نفس معنى ط§ظ„ظپط±ط بالمعاصى والباطل الذي جاء في هذه الآية جاءت آيات أخرى. من ذلك قوله تعالى: (فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) التوبة: 81. وقوله تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ) القصص: 76 . وقوله تعالى: (ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) الرعد: 26.
أما ط§ظ„ظپط±ط بالحق فقد جأءت به الأيات التالية. فمن ذلك قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس:58، وقوله تعالي (الۤـمۤ ، غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ، لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ، يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ) الروم 1-5. فدوافع ط§ظ„ظپط±ط هنا مختلفة عن ط§ظ„ظپط±ط بغير الحق. فهو فرح بالنعمة من الله، نعمة الهداية ونعمة الفرآن ونعمة النصر، وكل النعم من صحة ومال وجاه وعلم وخير وطاعات. هذه هي الأمور التى يفرح لها المسلم ويسر بها. ذلك لأن المؤمن الحياة عنده متميزة، واللذة والمتاع فيها إن كان طاعة فالفرح به فرح في محله وفرح محمود.
وإذا فرح المسلم بهذه النعم فإن ذلك لا يؤدي به إلى الغرور والإعجاب بنفسه والشعور بالتميز والتفوق على الآخرين، بل يؤدي به إلى الشكر والاعتراف بجميل الله وفضله عليه، فيزداد تواضعا وإحسانا.
ومن أنواع ط§ظ„ظپط±ط بتعمة الطاعة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( َلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبّه فَرِحَ بِصَوْمِهِ ) رواه مسلم. قالَ الْعُلَمَاء : أَمَّا فَرْحَتُهُ عِنْد لِقَاء رَبّه فَبِمَا يَرَاهُ مِنْ جَزَائِهِ ، وَتَذَكُّر نِعْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ ، وَأَمَّا عِنْد فِطْره فَسَبَبُهَا تَمَامُ عِبَادَتِهِ وَسَلَامَتهَا مِنْ الْمُفْسِدَات ، وَمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِهَا .
فهذه أمثلة من مواضع ط§ظ„ظپط±ط في حياة المسلم، وخلاصتها أن المسلم له قيمه وموازيينه في دوافع ط§ظ„ظپط±ط وفي طرق التعبير عنها وفي آثارها في سلوكه. فالمسلم يفرح بكل نعمة وخير يناله ولا يؤدي له هذا ط§ظ„ظپط±ط للغرور والتعاليى على الآخرين والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر، بل يؤديه فرحه بالنعمة وبتفضل الله بها عليه لشكرها والدعاء بطلب المزيد كما قال العبد الصالح فيما حكى القرآن في قوله تعالى: (قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).
hgtvp gglsgl