السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إني لأرجو أن يسهم موضوعي هذا في الحث على الاستزادة من العمل الذي يقرب إلى جنات تجري من تحتها الأنهار..
جنات كان من أبلغ ما وصفت به قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي :
"أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر "
ثم قرأ هذه الآية : (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون *
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ))
مساكن طيبة
هل تعيش في بيت ضيق ، ازدحم فيه الأثاث وتراكمت في زواياه الأشياء ، وكادت تخرج من خزائنه الثياب ؟
لعلك توافقني أن البيت الواسع ، المريح ، ذا المرافق الصحية الحديثة ، المجهزة بمختلف وسائل الراحة ، المبرد صيفا ، المدفأ شتاء ،
هو ثلث العيش المريح في هذه الدنيا، إن لم تكن له نسبة أكبر.
وتوافقني على أن الإنسان يمضي أكثر من نصف عمره في بيته .
إذا لم يتحقق مرادك في سكن مريح ، واسع ، جميل ……. في الدنيا ،
فسيتحقق مرادك ، إن كنت من المؤمنين الصالحين ، وشملك الله برحمته ، في بيت في الجنة.
فكيف يكون بيت الجنة ؟؟
يصف سبحانه مساكن الجنة بأنها طيبة : " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ،
ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم )) التوبة 72
(( ومساكن طيبة )) أي حسنة البناء طيبة القرار
ووصف المساكن بأنها طيبة لها دلالة هامة ، فلا يكفي أن تكون المساكن فاخرة البناء والأثاث ليكون العيش فيها طيبا ،
فكم من القصور في الدنيا لا يجد فيها صاحبها الإقامة الهانئة والمطمئنة لأن نفوسهم غير مرتاحة ومن ثم فلا يطيب العيش فيها.
إن المرء في الدنيا يبذل الكثير لبناء مسكنه وتجميله وملئه بما استطاع من الأثاث والأجهزة
لكنه ما كاد يشعر بأنه اكتمل حتى يرحل عهن وعن الدنيا كلها .
ولقد ذكر سبحانه بهذه الحقيقة حين أخبرنا عن الأقوام الذين نزل بهم العذاب
فمضوا وبقيت مساكنهم تحمل العبرة وتذكر من يأتي بعدهم بأنه لا خلود…
بل إن أعمارهم أقصر من مساكنهم.
وأما الجنة فهي حياة الخلد والمساكن الطيبة…..
رضوان الله
لعلك تذكر تلك السعادة الغامرة التي ملأت جوانحك حين عبر رئيسك في العمل عن رضاه عن عملك
وثم أتبع رضاه من علاوة في مرتبك ومكافأة مقطوعة وشهادة تقدير..
إن رضى الآخرين عنا يبعث في أنفسنا مشاعر فرح وارتياح ،
وتزيد هذه المشاعر حين يطلب الآخرون من أن نكون راضين عنهم أيضا .
فلو أن الرئيس في العمل- كما في المثال السابق – وقد عبر عن رضاه عن عمل موظفه وكافأه
سأله أخيرا : هل أنت راض عني ؟ فإنه سيبلغ قمة الارتياح والشعور بالرضا :
رئيسي يسألني إن كنت راضيا عنه !!
هذا بين البشر … فكيف يكون الحال إذا كان الرضا من الله تعاى جل شأنه
وقد اعلم عباده في الجنة أنه راض عنهم ، ويسألهم إن كانوا قد رضوا بما أعطاهم من نعيم وشملهم من رحمة ؟!
لقد تأكد هذا المعنى في أربعة آيات منها :
(( قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ))
إن قوله تعالى : (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) يرسم ملامح تكريم عظيم للمؤمنين
وقد شملهم برضوانه العظيم وأعطاهم من العطاء ما جعلهم في غاية الرضا
وهل بعد رضوان الله غاية ؟؟!
وفي تفسير القرطبي :
" بين تعالى ثوابهم وأنه راض عنهم رضا لا يغضب بعده أبدا.
ورضوا عنه: أي عن الجزاء الذي أثابهم به "
إن لحظة اتصال بالله ، لحظة شهود لجلاله . لحظة انطلاق من حبسة هذه الأمشاج، ومن ثقلة هذه الأرض وهمومها القريبة .
لحظة تنبثق فيها في أعماق القلب البشري شعاعة من ذلك النور الذي لا تدركه الأبصار ،
لحظة إشراق تنير فيها حنايا الروح بقبس من روح الله…
إن لحظة واحدة من هذه اللحظات التي تتفق للندرة القليلة من الشر في ومضة صفاء ،
ليتضاءل إلى جوارها كل متاع وكل رجاء…
فكيف برضوان من الله يغمر هذه الأرواح وتستشعره بدون انقطاع ؟
(( ذلك هو الفوز العظيم ))
لذات ليس في البال
كيف ستكون لهفتك لمشاهدة أشرطة سينما أو فيديو مسجل عليها تاريخ حياتك منذ ولادتك إلى آخر يوم في حياتك على هذه الأرض ؟!
تشاهد طفولتك وأنت تحبو ، وأنت تتعلم الكلام ، وأنت تلعب وتلهو ، وأنت على مقاعد الدراسة ، وأنت في بيت أسرتك بين أمك وأبيك وأخوتك…
تشاهد كيف كانت مرحلة شبابك وقد اشتد عودك وقوي ساعدك…
تشاهد زواجك ثم كيف أصبحت أبا لإن قدر لك ذلك وكيف عشت هذه المرحلة الجديدة…
تشاهد هرمك إن كان العمر امتد بك إلى الشيخوخة وتتأمل مرحلة حياتك الأخيرة كيف كانت…
ولعلك بعد أن تمضي زمانا وأنت تشاهد شريط حياتك ترغب في مشاهدة موقعة تاريخية بمشاهدها وأصواتها كما في الواقع..
وهكذا … مهما تنوعت رغباتك وتمنت نفسك واشتهت وادعن وطلبت يحققها الله تعالى لك إن كنت من أهل الجنة وأصحابها السعداء.
يقول الله تعالى في تحقيق رغبات أهل الجنة : (( لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ))
وهكذا نجد أن الله تعالى يجيب أهل الجنة إلى كل ما تتمناه أنفسهم وتدعيه رغباتهم وتجنح به أخيلتهم..
فمهما تمنت نفس ساكن الجنة واشتهت حققه الله تعالى له … أليس الله على كل شيء قدير…
ضامن اللذات
إن إحساس المرء بأن الموت سيقطع صلته بكل مال جمعه ، وبكل ولد أنجبه وبكل متعة يتمتع بها وكل نعمة يتنعم بها…
إن هذا الإحساس يجعل كل شيء ناقصا في هذه الحياة الدنيا.
تماما كما قال الشاعر:
لكل شيء إذا ما تم نقصان ……… فلا يغر بطيب العيش إنسان
وهكذا ، فإن دوام هذه المتع واللذات واستمرارها في الدار الآخرة من أبرز ما يميزها على متع الدنيا ولذاتها
فلا انقطاع لنعم الآخرة ولا ندرة لها ولا موت لأصحابها الخالدين بفضل الله ورحمته.
ولعل هذا سبب تكرر ذكر الخلود لأهل الجنة في القرآن الكريم :
((ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون )) البقرة25
(( الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )) المؤمنون11
(( سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا )) النساء57
(( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا )) المائدة119
(( خالدين فيها لا يبغون عنها حولا )) الكهف108
وآيات كثيرة دلت على الخلود لأهل الجنة
لا تعب…. بل راحة دائمة
هل تعود إلى بيتك في نهاية عملك كل يوم متعبا مرهقا مكدودا وأنت تتساءل : متى أرتاح من هذا العمل المضني ؟
هل أضنت جسدك هموم العمل وأرهقت أعصابك وأقلقت نفسك وأتعبت بالك وتساءلت : متى أستطيع أن أضع حدا لهذا ؟
هل توقعت أن ترتاح بعد أن تنتهي من دراستك وحين أنهيتها بدأت متاعب جديدة ؟
إن التعب ملازم للحياة الدنيا تعب الجسد وتعب النفس ولا راحة حقيقية للمرء إلا في الجنة .
ويتأكد نفي التعب عن اهل الجنة في قوله تعالى :
(( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور *
الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب )) فاطر34-35
يقول ابن كثير : " أي لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء ،،
والنصب واللغوب كل منهما يستعمل في التعب وكان المراد بنفي هذا وهذا عنهم
أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم والله أعلم "
بل حتى التعب النفسي والسأم الملل ،.
يقول الشيخ محمد الألوسي قي تفسيره للفظة ( لغوب ) في الآية : كلال وفتور وهو نتيجة النَصَب وضمه إليه ،
وتكرير الفعل المنفي (( لا يمسنا )) للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما.
وقال بعضهم : النصب : التعب الجسمي ،، واللغوب : التعب النفسي.
النظر إلى الله تعالى
إذا كان نعيم الجنة ينضر وجوه أهلها فأي نضارة يتركها في الوجوه نظر أصحابها إلى الله تعالى ؟!
لا شك في أنها نضرة ما بعدها نضر تلك التي يورثا نظر أصحاب الجنة إلى ربهم .
يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
(( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ))القيامة22-23
إن روح الإنسان لتستمتع أحيانا بلمحة من جمال الإبداع الإلهي في الكون أو النفس فتغمرها النشوة ، وتفيض بالسعادة .
فكيف بها وهي تنظر لا إلى جمال صنع الله ولكن إلى جمال ذات الله ؟!
ويقول الألوسي في (( وجوه يومئذ ناضرة )) : أي وجوه كثيرة وهي وجوه المؤمنين المخلصين
يوم إذ تقوم القيامة ن بهية متهللة من عظم المسرة يشاهد عليها نضرة النعيم.
(( إلى ربها ناظرة )) : أي أنها تراه سبحانه وتعالى مستغرقة في مطالعة جماله
بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى على ما يليق بذاته سبحانه.
وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها ،
لحديث أبي سعيد وأبي هريرة ، وهما في الصحيحين أن ناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
فقال " هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ "
قالوا لا ، قال:
"إنكم ترون ربكم كذلك " .
.
.
.
.
.
.
.
وبعد
فإني لم أذكر هنا إلا جزء بسيط من الجنة
فإن الجنة ثوابها عظيم وفوزها كبير ومتعها كثيرة ولذاتها لا تنقضي ومباهجها لا نهاية لها.
أفراحها دائمة ومسراتها مستمرة ورزقها لا ينقطع يجتمع فيها الأهل دون خشية فراق ويلتقي فيها الأحبة دون ابتعاد.
نفوس أهلها صافية فلا حسد ولا غل ولا كره ولا مكر ولا غش ولا خديعة ولا خيانة.
قلوب أهلها ليست مشغولة بغير التنعم والتلذذ والتمتع بما فيها .
أطيب طعام وأعذب شراب دون خوف ومن مرض أو تخمة أو أي أذى .
راحة دائمة لا تعب فيها وأمن أبدي لا خوف فيه.
هذه الجنة العظيمة … ألا يرخص من أجلها كل شيء في هذه الدنيا ؟
ألا يهون كل صعب من أجل الوصول إليها ؟
ألا يبيع المرء نفسه وماله ثمنا لها ؟
(( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ))
.
.
.
.
.
.
.
المرجع : كتاب ط¬ظˆظ„ط§طھ في ط±ظٹط§ط¶ ط§ظ„ط¬ظ†ط§طھ .
.
.
.
وتقبلوا تحيتي
أختكم
فراشة ربيع
[,ghj td vdhq hg[khj
ما تقصرين
و مشكووورة