1- نعمة البصر من النعم العظيمة التي ينبغي علينا شكرها كما بينت سلفاً .
2- جهل كثير من الناس بما يترتب على هذه النعمة من أحكام وآداب .
3- قلة من تطرق إلى هذا الموضوع تطرقاً تاماً يلملم أطرافه المتناثرة .
4- أداء واجب الدعوة إلى الله تعالى ، والبلاغ الذي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( بلغوا عني ولو آية )) .
وهذه في نظري أهم الأسباب الداعية لطرق هذا الموضوع .
وأشرع الآن بإذن الله تعالى في الحديث عن هذا الموضوع ، فأقول مستعيناً بالله تعالى وحده طالباً منه التوفيق والسداد .
أولاً- جاء في حدث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وهو حديث متفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (( ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) ، وجاء عند الترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : (( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله )) . وأخرج الطيالسي في مسنده واللفظ له والترمذي وقال حسن صحيح وهو كما قال وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : (( لا يدخل النار عين بكت من خشية الله عز وجل ، حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع دخان جهنم وغبار في سبيل الله في منخري عبد أو قدمِ مسلم )) . رواه أبو داود الطيالسي عن المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، وقد اختلط بأخرة ، ولكن قد تابع أبا دواود في رواية هذا الحديث عن المسعودي ممن روى عن المسعودي قبل الاختلاط جعفر بن عون ، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ ووكيع بن الجراح الرؤاسي .
وروى ابن ماجه في سننه بسند ضعيف كما قال البوصيري في الزوائد عن ابن مسعود مرفوعاً : (( ما من عبد يخرج من عينيه دموع وإن كان مثل رأس الذباب من خشية الله ثم تصيب شيئاً من حر وجهه إلا حرمه الله على النار )) . ومن مراسيل الحسن أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، وأخرجه الترمذي موصولاً من حديث أبي أمامة مرفوعاً وقال : حسن غريب واللفظ له: (( ليس شيء أحبَّ إلى الله من قطرتين وأثرين قطرة من دموع في خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله . وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر فريضة من فرائض الله )) .
والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة جداً . فكتب الرقاق طافحة بشيء كبير من هذا ، مما يشحذ الهمم ويرقق القلوب القواسي . وابن أبي الدنيا رحمه الله ألف جزءاً حافلاً سماه (الرقة والبكاء ) ضمنه أحاديث وآثاراً منها الصحيح وما دونه .
والحاصل أن خصوصية العين بالقلب مما لا يخفى ، فحيث تأثر القلب استجابت له العين . ولنسأل أنفسنا : لماذا نال من فاضت عيناه بذكر الله خالياً هذه الكرامة العظمى بكونه في ظل الله يوم الفزع الأكبر ، يوم أن تدنو الشمس من رؤوس الخلائق ، يوم يلجم الناس العرق على حسب أوزارهم ، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه ، ومنهم من يبلغ العرق إلى ركبتيه ، ومنهم من يبلغ العرق إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ، في ذلك اليوم الذي يدوم خمسين ألف سنة!! في ذلك اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون ، الإنس والجن ، في تلك المزاحمة الشديدة ، واهتمام كل أحد بنفسه . في ذلك الكرب العظيم ، في اليوم الذي يغضب الله فيه غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، في ذلك اليوم الذي يقول الأنبياء عليهم السلام الرحماء بالبشرية : نفسي ، نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، ودعاؤهم يومئذ اللهم سلم ، اللهم سلم . في ذلك الموقف العصيب ، يقف من فاضت عيناه من ذكر الله تعالى تحت ظل العرش . فلماذا حاز هذا الفضل العظيم ؟ لأنه ذكر ربه خالياً ففاضت عيناه ، لأنه ليس عنده داع يدعوه للرياء والسمعة وقت خلوته ، وقد خلا بربه عز وجل ، فتذكر بين يديه ذله وانكساره وافتقاره إلى مولاه وسيده ، وتذكر قوة ربه وقدرته وغناه التامَ عنه ، وتذكر رحمة ربه التي وسعت كل شيء وبها فتح بابه للسائلين ، وبها أمهل وأنظر ، وتذكر مغفرته التي بها فتح بابه للتائبين العائدين . فتأثر القلب بهذه المعاني فسلم من أمراضه وأدوائه وشهواته ففاضت عيناه .
إن الإيمان بالغيب أيها الأخوة هو ما امتدح الله به عباده المؤمنين المتقين في ثاني سورة في المصحف ، وذلك لأن المؤمن يوقن بربه ولما يراه ، ويتعرف عليه بأسمائه وصفاته فيحبه ، ويشتاق إليه . ولهذه المنقبة اشتاق النبي صلى الله عليه وسلم لرؤية إخوانه وهم نحن من آمن به ولم يره .
أيها الأحبة إن نعمة البصر من أقوى ما يدل الإنسان على ربه ومولاه { قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يوقنون } .
يتيع ..
N]hf hgk/v ,Hp;hli (2)
الله يجزاك كل خير اخي الكريم همام …
أشكرك على المداخلة ، بارك الله فيك .
أخي الحبيب أبا عبد الله …
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته …
أشكرك على المشاركة ، لا حرمك الله الأجر ..
وأسأل الله تعالى أن يعم بهذه الكلمات النفع ..