من أسلوب القرآن الكريم أنه كان ينمي جانب الإيمان والعاطفة الإيمانية عند المسلمين في أي أمر من أمور الشرع ….
فنجد في القرآن كيف أن الله كان يعقّب بعد آيات الأحكام بقوله ( إن كنتم مؤمنين ) .. اقرأ هذا مثلا في حد الرجم ..واقرأه في آيات الجهاد ..واقرأه في أيات الأمر بالصلاة والزكاة …
ولاحظ الآيات ط§ظ„طھظٹ بدأها الله تعالى بقوله ( يا أيها الذين ءامنوا) …
تجد أنه قد جاء بعدها من الأوامر والتوجيهات أو الزواجر والتنبيهات …وهكذا كان منهج القرآن أن يثير في النفس ويربي فيها هذه التربية الإيمانية ، ويستثير فيها هذه العاطفة الإيمانية …
ومن هنا نعلم ايضا أهمية الحرص على غرس هذه التربية في نفوس الأفراد ، لأن استثارتهم من خلال هذه العاطفة أقوى من استثارتهم بالعقليات المجردة .!
* السنة تركز على قضية التربية الإيمانية .
جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ..)
وهكذا ورد مثل هذا في غير ما موضع من السنة . يؤكد ويركز على قضية الإيمان قبل الأمر أو النهي .
ولنقف مع حدث في التاريخ ، وننظر أثر استثارة هذه العاطفة الإيمانية ط§ظ„طھظٹ تربى عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
في يوم حنين لمّا أعطى رسول الله تلك العطايا لقبائل قريش وطائفة من العرب ، وجد الأنصار في أنفسهم موجدة ، فجاء سعد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فجمّع الأنصار في حظيرة وخطب فيهم صلى الله عليه وسلم تلك الخطبة ط§ظ„طھظٹ جاء فيها) يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وحِدّة وجدتموها عليّ في أنفسكم ؟! ألم آتكم ضلاّلا فهداكم الله !!وعالة فأغناكم الله !! وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟!! أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذوباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك … ( إلى آخر القصة ..
المقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ يستثير فيهم عاطفة الإيمان ، ويخاطبهم بها ( أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى اسلامكم ؟..)
فكانت هذه الاستثارة الإيمانية حلاًّ لمشكلة تواجه القائد في دعوته مع أفراده بل خواص أفراده .
وهكذا نجد أن الصحابة كانت تؤثر فيهم هذه الأوامر الربانية والنبوية لأنهم كانو على قدر من التربية الإيمانية ….
* السلف والتربية الإيمانية .
كان السلف رضي الله تعالى عنهم من أحرص الناس على تربية أنفسهم وغيرهم على هذه التربية الإيمانية … لن أطيل في ذكر مواقفهم إنما أشير إلى موقف واحد وصورة معبرة من صور تربية السلف :
أتى رجل إبراهيم بن أدهم – رضي الله عنه – فقال: يا أبا اسحق، إني مسرف على نفسي فاعرض على ما يكون لها زاجرا ومستنقذا؟
فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصال ، وقدرت عليها لم تضرك المعصية ؟
قال : هات يا أبا اسحق
قال : أما الأولى فاذا اردت ان تعصي الله تعالى ، فلا تأكل من رزقه
قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض رزقه ؟
قال : يا هذا افيحسن بك ان تأكل رزقه وتعصيه ؟
قال : لا ، هات الثانيه
قال : واذا اردت ان تعصيه فلا تسكن في شيئا من بلاده ؟
قال : هذه اعظم ، فأين أسكن ؟
قال : يا هذا أفيحسن بك ان تأكل رزقه ، وتسكن بلاده وتعصيه ؟
قال : لا ، هات الثالثه
قال : اذا اردت ان تعصيه ، وان تأكل من رزقه ، وتسكن بلاده ، فانظر موضعا لا يراك فيه فاعصه فيه ؟
قال : يا ابراهيم ما هذا ؟ وهو يطلع على ما في السرائر ؟
قال : يا هذا أفيحسن بك أن تاكل رزقه ، وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به وما تكتمه ؟
قال : لا ، هات الرابعه
قال : فاذا جاءك الموت ليقبض روحك ، فقل له أخرني حتى اتوب توبة نصوحا ، وأعمل لله صالحا
قال : لا يقبل مني؟
قال : يا هذا فأنت اذا لم تقدر ان تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه اذا جاءك لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟
قال : هات الخامسه
قال : اذا جاءتك الزبانيه يوم القيامه ، ليأخذوك الى النار ، فلا تذهب معهم ؟
قال : انهم لا يدعونني ، ولا يقبلون مني
قال : فكيف ترجو النجاة اذن ؟
قال : يا ابراهيم ، حسبي ، حسبي ، استغفر الله وأتوب اليه
فكان لتوبته وفيا , فلزم العباده , واجتنب المعاصي حتى فارق الدنيا .
* صوارف …
هذه جملة من الصوارف ط§ظ„طھظٹ قد تصرفنا عن العناية بالتربية الإيمانية للذات وللآخرين :
– التصوف .
ارتبطت الرقائق بالتصوف ارتباطاً وثيقاً منذ فترة بعيدة ، وصارت جل كتب الرقائق شارحة للتصوف سارة لقواعده ، حتى طال العهد فامتزجت هذه الرقائق بشيء من البدع والخرافات والتخليط ..
ولما شاعت الصحوة وانتشرت في السنوات الأخيرة ، وجدت من يقف لهذه البدع ويدحضها . إلا أنه نشأ عن ذلك بعدٌ سحيق عن الرقائق الإيمانية تخوّفاً من الوقوع في بدع التصوف ، فنتج عن ذلك جفاف العاطفة وصحراوية روحية .. كل ذلك بسبب الخوف من الوقوع في بدع التصوف ومحاربة التصوف . وهذا داء عضال وصارف من تلبيس ابليس على الدعاة والمربين …بل التربية الإيمانية هي أصل التربية …وحين ينشأ الفرد على الإيمان ومعرفة الله جل وتعالى ، عابدا متعبدا مستغفرا ذاكراً فإنه ينشأ حين ذاك قوي الإرادة والعزيمة .
– التعمق في المسائل والخلافات العلمية !
تعمقاً يكون معه انشغال عن تلذيع النفس وتربيتها على الرقائق والإيمانيات ط§ظ„طھظٹ تجعلها أكثر تعلقاً بالله .الخلافات الفقهية قد تجعل في القلب قسوة ، يجدها من عاش هذا الحال .. فإنه حين يرد على فلان وفلان ، ويفند دليله وحجته .. ينسيه ذلك أو يشغله عن الاهتمام بتزكية نفيه وتربيتها تربية إيمانية جادة …
وقد فطن لمثل هذا السلف رحمهم الله تعالى ، من مثل هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة عبدالرحمن بن شريح رحمه الله : قال هانئ بن المتوكل حدثني محمد بن عبادة المعافري قال : كنّا عند أبي شريح فكثرت المسائل فقال : قد درنت قلوبكم ، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري استقلوا قلوبكم ، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق ؛ فإنها تجدد العبادة وتورث الزهادة ، وتجر الصداقة ، وأقلّوا المسائل فإنها في غير ما نزل تقسّي القلب وتورث العداوة !
قال الذهبي رحمه الله صدق والله ..! فما الظن إذا كانت مسائل الأصول ولوازم الكلام في معارضة النص ؟!
فكيف إذا كانت من تشكيكات المنطق وقواعد الحكمة ودين الأوائل ؟!!
فكيف إذا كانت من حقائق الإتحادية ، وزندقة السبعينية ، وفرق الباطنية ؟!!
فوا غربتاه ، وياقلّة ناصراه .. آمنت بالله ولاقوة إلا بالله !! السير 7 / 183
فكيف إذا كانت مسائل خلاف بلا هدى ، ونزاع طيش على هوى ، وحب غلبة ورغبة استعلاء ، وإرادة خفض للآخرين .!!!
يهدّم بعضنا بعضاً ويمشي : : : أواخرنا على هام الأولي !
ولذلك حين تربى السلف أهل العلم والفقه والبصيرة في الدين على مثل هذه التربية ط§ظ„طھظٹ جمعت بين العلوم وترقيق القلوب ، خرج لنا جيل فريد ، ومواقف فذّة تُقتدى
..
إقرأ أثر هذه التربية الإيمانية الجادة في قول الشافعي رحمه الله ( ما جادلت أحدا إلا وددت أن يجري الله الحق على لسانه ) هذا الإمام صاحب المذهب والمناقشات والمجادلات .. ومع هذا فإن ذلك لم يشغله عن أن يربي في نفسه الإيمان الذي جعله يفرح بجريان الحق على لسان خصمه …
– البيئة والوسط .
فإن الإنسان مدني بطبعه …ولذلك من الواجب على الدعاة أن يحرصوا على أن يكونوا أو يكوّنوا بيئة إيمانية تعينهم على الطاعة …
– كثرة الشهوات والملهيات والفتن .
– طول الأمل .
– الانشغال بعيوب الآخرين وتتبع سقطاتهم .
– كثرة المخالطة بلا هدف أو فائدة .
– الذنوب والمعاصي ، والتسويف في التوبة .
طرق تحصيل التربية الإيمانية
من أعظم ما ينمي هذه التربية عند المؤمن :
– معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته .
ودراسة هذه الأسماء والصفات دراسة إيمانية بعيدا عن مهاترات الفرق والطوائف الضالة .
وللأسف أن كثيرا ممن يدرسون التوحيد حين يتعرضون لقضية الأسماء والصفات فإنهم إنما يتعرضون لها من جهة سرد الخلافات وأقوال الفرق الضالة الكلامية وغيرها في ذلك ، مما لا يولّد عند الدارس أو القارئ شعوراً بأثر هذه السماء في واقع سلوكه ..
وحقيقة يعتبر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه ( مدارج السالكين ، مفتاح دار السعادة ) من أعظم من ركّز على قضية الأثر الإيماني والسلوكي لأسماء الله تعالى وصفاته … ولولا خشية إطالة لذكرت لكم نموذجاً من ذلك .
– قراءة القرآن والتدبر في آياته .
فإن قراءة القرآن من أعظم ما ينمي هذا الجانب في نفس العبد ويزكيها ويطهرها ، ولقد سمّآ الله تعالى هذا الكتاب روحاً ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا(
فهو روح تحيا به النفوس حياة حقيقية . والوقوف عند معاني الآيات وأسباب نزولها ومعرفة أحداث التنزيل مما يؤثر أثر إيمانيا في النفس .ولذلك يتبين لنا سر التربية ط§ظ„طھظٹ يذكرها غير ما واحد من الصحابة بقولهم ( كنّا لا نجاوز العشر آيات حتى نعلمها ونتعلمها ونعمل بها .. يقول : فتعلمنا الإيمان قبل القرآن(
– القراءة في سير السلف .
فإن القراءة في سيرهم يبعث في النفس قوة وإيماناً .
اسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا لذكره ، وأن يغفر لنا ذنبنا .. وأن يصرف عنّأ صوارف الطاعات ، وأن يثبّتنا على الحق ويرزقنا الباقيات الصالحات .
والحمد لله رب العالمين
jhffu gl,q,u lh`h kwku frg,fkh hgjd rsj?
ووفقك لما يحبه ويرضاه
ولا حرمك أجر ما كتبتي