من منـازل (إيـاك نَعبُـد وإيـاك نستعيـن) منـزلـة (الإخلاص):
قال الله – تعالى – (98: 5 ما أمروا إلا ليعبدوا الله مُخلصين لهُ الدين) وقال (39: 2، 3 إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مُخلصاً لهُ الدين. ألا لله الدين الخالص) وقال لنبيه – صلى الله عليه وسلم – (39: 14، 15 قُل الله أعبُد مُخلصاً لهُ ديني، فاعبُدوا ما شيتُم من دونـه) وقال له (6: 162، 163 قُل إن صلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له. وبذلك أُمِرتُ وأنا أول المُسلمين) وقال (67: 2 الذي خلق الموت والحياة ليبلُوكُم أيُكُم أحسَنُ عملاً) قال الفضيل بن عياض هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي، ما أخلصهُ وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكُن صواباً. لم يُقبل. وإذا كان صواباً ولم يكُن خالصاً. لم يُقبَل. حتى يكون خالصا وصواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُنة. ثُم قرأ قوله – تعالى – (18: 110 فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً. ولا يُشرك بعبادة ربه أحداً) وقال – تعالى – ( 125 ومن أحسَنُ ديناً ممن أسلم وجههُ لله وهو مُحسن؟) فإسلام الوجه: إخلاص القصد والعمل لله والإحسان فيه: مُتابعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وسُنتـه. وقال – تعالى – (25: 23 وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) وهي الأعمال التي كانت على غير السُنة أو أُريد بها غير وجه الله. قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – (إنك لن تُخَلّف، فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله – تعالى -: إلا ازددت به خيراً، ودرجة ورِفعة) وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (ثلاثٌ لا يَغلُ عليهن قلب مُسلم: إخلاص العمل لله، ومُناصحة ولاة الأمر. ولزوم جماعة المُسلمين. فإن دعوتهُم تُحيط من ورائهم) أي لا يبقى فيه غِلُ، ولا يحمل الغِل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غِلَهُ. وتُنقيه منه. وتُخرِجه عنـه. فإن القلب يغل على الشرك أعظم غِل. وكذلك يغِل على الغش. وعلى خُروجه عن جماعة المُسلمين بالبدعة والضلالة. فهذه الثلاثة تملؤه غِـلاً ودَغَلاً. ودواء هذا الغِـل، واستخراج أخلاطه: بتجريـد ط§ظ„ط¥ط®ظ„ط§طµ والنُصح، ومُتابعة السُنـة.
و(سُئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الرجُل: يُقاتل الرياء، ويُقاتل شجاعة، ويُقاتل حمية: أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله ).
وأخبر عن أول ثلاثة تُسَعّر بهم النـار: قارئ القُرآن، والمُجـاهـد، والمُتصدق بمالـه، الذين فعلوا ذلك ليُقال: فُلان قارئ، فُلان مُتصدق، ولم تكُن أعمالهُم خالصة لله.
وفي الحديث الصحيح الإلهي يقول الله – تعالى -: (أنا أغني الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك به. وأنا منه بريء).
وفـي الصحيح عنـه – صلى الله عليه وسلم – (إن الله لا ينظـُر إلى أجسامكُم، ولا إلى صُوركُم. ولكن ينظُر إلى قُلوبِكُم)، وقال – تعالى – (22: 37 لن ينال الله لُحومُها ولا دمائها، ولكن ينالـه التقوى مِنكُم).
عن أمير المؤمنين أبي حَفص عُمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: سمِعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول (إنما الأعمال بالنيات ولِكُل امرئ ما نوى، فَمن كانت هِجرتُه إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هِجرتُه لدُنيا يُصيبها أو امرأةٍ ينكحُها فهجرتُه إلى مـا هاجر إليـه ). (1)
* ظ…ظ†ط²ظ„ط© الحديث:
هذا الحديث من جوامع كله – صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام الشافعي – رحمه الله – (حديث النية يدخُل في سبعين باباً من الفِقه، وما ترك لمُبطل، ولا مضار، ولا مُحتال حجة إلى لقاء الله – تعالى -) (2). وقد قال النووي: (لم يرد الشافعي – رحمه الله – انحصار في هذا العدد، فإنها أكثر من ذلك)(3). وقال الشوكاني – رحمه الله – وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام حتى قيل أنه ثُلث العلم وقال كذلك: (وهو على انفراده حقيق بأن يُفرد لـه مُصنف مُستقل) (4). ومن تعظيم العُلماء لهذا الحديث رأوا البداءة به في مُصنفاتهم وذلك تنبيهاً لطالب العلم إلى تصحيحه نيته. قال عبد الرحمن بن مهدي: (من أراد أن يُصنف كتابـاً فليبدأ بهذا الحديث) (5).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البُخاري ومُسلم.
(2) فيض القدير 1 / 32.
(3) العيني على البُخاري 1 / 22
(4) النيـل 1 / 156.
(5) العــدة 1 / 62.
وقد تنوعت العبارات في (الإخلاص) و (الصــدق) والقصد واحـد.
فقيـل: هـو إفـراد الحق – سبحانه – بالقصـد والطـاعـة.
وقيـل: تصفية الفعل عن مُلاحظة المخلوقين.
وقيـل: التقوى من مُلاحظـة الخلق حتى عن نفسك. (والصِدق) التنقي من مُطالعة النفس. فالمُخلص لا ريـاء لـه، والصادق لا إعجـاب لـه، ولا يتم الإخـلاص إلا بالصِـدق، ولا الصِـدق إلا بالإخـلاص، ولا بتِمـانِ إلا بالصبـر.
وقيـل: ط§ظ„ط¥ط®ظ„ط§طµ استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن. والرياء أن يكون ظاهره خيراً من باطنـه. والصِدق في الإخلاص: أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.
وقيـل ط§ظ„ط¥ط®ظ„ط§طµ نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق. ومن تزين للناس بمـا ليس فيه سقط من عيـن الله.
ومن كلام الفضيل: ترك العمل من أجل الناس: ريـاء. والعمل من أجل النـاس: شِـرك. والإخلاص: أن يُعافيك الله مِنهُمـا.
قال الجُنيد: ط§ظ„ط¥ط®ظ„ط§طµ سِرٌ بين الله وبين العَبد. لا يعلمه مَلكٌ فيكتبه، ولا شيطان فيُفسده. ولا هوى فيُميله.
وقيل لسهل: أي شيء أشد على النَفْس؟ فقال: الإخلاص. لأنه ليس لهـا فيه نصيب.
وقال بعضهُم: ط§ظ„ط¥ط®ظ„ط§طµ أن لا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، ولا مُجازياً سِـواه.
وقال مكحول: ما أخلص عبد قَـط أربعين يومـاً إلا ظهرت ينابيع الحِكمة من قلبه على لسانـه.
وقال أبو سُليمان الداراني. إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والريـاء.
* مغـزى الإخـلاص: تنقيـة العمـل مـن الشوائـب.
أمـا الهـروي فجعل الإخلاص: تصفية العمـل من كُـل شـوب.
أي لا يُمازج عمله مـا يشوبه من شوائـب إرادات النفـس: إمـا طلب التزيُـن في قُلـوب الخلق، وإما طلب مدحِهم، والهَربُ من ذمهم، أو طلب تعظيمهم، أو طلب أموالهم، أو خدمتهم ومحبتهم، وقضائهم حوائجه، أو غير ذلك من العلل والشوائب، التي عَقد مُتفرقاتها: هو إرادة مـا سـوى الله بعمله، كائنـاً مـا كـان.
وأول درجاته عنـده: إخراج رؤية العمل عن العمـل. الخلاصُ من طلب العوض على العمل. والنُزول عن الرِضـا بالعمل، يعرض للعامل في عمله ثلاث آفات: رؤيته، ومُلاحظته، وطلب العوض عليه، ورضاه به، وسُكونـه إليـه.
ففي هذه الدرجة يتخلص من هذه البلية. فالذي يُخلصه من رؤية عمله: مُشاهدته لمِنة الله عليه، وفضله وتوفيقه له. وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو، كما قال – تعالى – (81: 92 وما تشاءون إلا أن يشاء الله ربُ العالمين).
فهُنـا ينفعه شُهـود الجبـر، وأنـه آلة محضـة، وأن فعلـه كحركات الأشجـار، وهُبـوب الريـاح، وأن المُحرك لهُ غيره، والفاعل فيه سواه، وأنهُ ميت ـ والميت لا يفعل شيئاً ـ وأنه لو خلى ونفسه لم يكُن من فعله الصالح شيء البتـة، فإن النفس جاهلة ظالمـة، طبعها الكسل، وإيثار الشهوات، والبطالـة، وهي منبع كُل شـر، ومأوى كُـل سوء. وما كان هكذا لم يصدر منه خيـر، ولا هـو من شأنـه.
فالخيـر الـذي يصدُر منهـا: إنمـا هـو مـن الله، وبـه. لا مـن العبـد، ولا بـه. كما قال – تعالى – (2 21 ولـولا فضل الله عليكُـم ورحمته مـا زكـى منكُم مـن أحـد أبـدا ً، ولكن الله يزكي من يشاء) وقـال أهـل الجنـة (7: 43 الحمـد لله الـذي هدانا لهـذا)، وقال- تبارك وتعالى -لرسوله – صلى الله عليه وسلم – (17: 74 ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا) وقـال – تعالى – (49: 7 ولكن الله حَببَ إليكُم الإيمان. وزينه في قُلوبكُم ــ الآيـة ).
فكل خيـر في العبد فهو مُجرد فضل الله ومنته، وإحسانه ونعمتـه، وهو المحمود عليه.
والذي يُخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليـه: أمران:
أحدهمـا: مُطالعة عُيوبه وآفاته، وتقصيره فيـه، وما فيه من حـظ النفس، ونصيب الشيطان. فقل عمل من الأعمال إلا وللشيطـان فيه نصيب، وإن قَـل. وللنفس فيه حظ. سُئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التفات الرجل في صلاته؟ فقال (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد).
فـإذا كان هـذا إلتفـات طَرفـة أو لحظـة. فكيـف التفات قلبـه إلى مـا سِـوى الله؟ هذا أعظم نصيب للشيطان من العُبودية.
وقال ابن مسعود (لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته، يرى أن حقاً عليه: أن لا ينصرف إلا عن يمينه) فجعل في هذا القدر اليسير النزر حظاً ونصيبـاً للشيطـان من صلاة العبـد. فما الظن بمـا فوقـه؟
وأمـا حظ النفس من العمل: فلا يعرفـه إلا أهل البصائر الصادقون.
الثـانـي: عِلمه بما يستحقه الرب جل جلاله: من حُقوق العٌبودية، وآدابها الظاهرة والباطنة، وشُروطها، وأن العبـد أضعف وأعجـز وأقـل من أن يوفيها حقـاً، وأن يرضى بهـا لربـه. فالعـارف لا يرضى بشيء من عمله لربه، ولا يرضى نفسه للـه طرفة عين، ويستحيي من مُقابلة الله بعملـه.
فسوء ظنه بنفسه وعمله وبغضه لها، وكراهته لأنفاسه وصُعودها إلى الله: يحول بينه وبين الرضا بعمله، والرضـا عن نفسـه.
وقال بعضهـم: آفـة العبـد: رضاه عن نفسـه، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهـو مغرور.
* عمـل لا ينفـي الخجــل.
وقيل: لا بُـد من الخجـل من العمـل، مـع بذل المجهـود.
فمن إخلاص العابد (خجلـه) من عمله. وهو شدة حيائه من الله. إذ لم ير ذلك العمل صـالحـاً لـه، مع بذل مجهوده فيه، قال – تعالى – (23: 60 والذين يؤتون ما آتوا وقُلوبهم وجلـة: إنهُم إلى ربهم راجعون) قال النبي – صلى الله عليه وسلم – (هو الرجل يصوم، ويُصلي، ويتصدق، ويخاف أن لا يُقبل منه).
فالمؤمن: جمـع إحساناً في مخافة، وسوء ظن بنفسه، والمغرور: حسن الظن بنفسه مع إساءته.
وخلال كُل ذلك: تجعل عملك تابعاً للعلم، موافقاً له مؤتماً به، تسير بسيره وتقف بوقوفه، وتتحرك بحركته. نازلا منازله، مُرتويـاً من موارده. ناظـراً إلى الحكم الديني الأمري مُتقيداً بـه، فعلا وتركاً وطلباً وهربـاً. وناظراً إلى ترتب الثواب والعقاب عليه سبباً وكسباً، ومع ذلك فتسير أنت بقلبك، مُشاهداً للحُكم الكوني القضائي، الذي تنطوي فيه الأسباب والمُسببات، والحركات والسكنات ولا يبقى هُناك غير محض المشيئة، وتفرد الرب وحده بالأفعال، ومصدرها عن إرادته ومشيئته، فيكون قائماً بالأمر والنهي: فعلاً وتركـاً، سائراً بسيره، وبالقضاء والقدر، إيماناً وشُهوداً وحقيقة. فهو ناظر إلى الحقيقة. قائم بالشريعـة.
http://www.alathry.com المصدر:
lk.gm hgYoghw
اللهم ارزقنا الاخلاص في القول والعمل
تعطرت صفحتي بمرورك ياغالية …