——————————————————————————–
بلوغ ط§ظ„ط¢ظپط§ظ‚ ط¨ط³ظ…ظˆ الأخلاق
محمد حسن يوسف
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ مَكارِمَ ( وفي رواية صالحَ ) الأخلاقِ[1]. قال المناوي[2]:
( إنما بعثت ): أي أُرسلت. ( لأتمم ): أي لأجل أن أكمل. ( الأخلاق ): بعد ما كانت ناقصة، وأجمعها بعد التفرقة. وعنه رضي الله عنه أيضا، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا[3]. قال المباركفوري[4]: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم
خلقا ): لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، ( وخياركم خياركم لنسائهم ): لأنهن محل الرحمة لضعفهن.
يخطئ منا من يفصل العبادة في الإسلام عن السلوك. ذلك أنه دائما ما تُقرن نصوص القرآن والسنة الكلام عنهما. وفي الحديث المتقدم، نجد عناية
الرسول صلى الله عليه وسلم الجمة بإتمام مكارم الأخلاق. ذلك أن الهدف من الرسالة هو تزكية النفس والوصول بها إلى درجة من الرقي والتطور تسمح لها بالتعبد السليم لله. وهذه هي غاية الخلق.
ولكن نجد دائما انحرافات كبيرة عن منهج الرسالة الخاتمة. فبعد مرور أربعة عشر قرنا من الزمان، حدثت انحرافات متعددة ومتنوعة عن الهدف
الأصيل الذي جاء الإسلام ليتممه، ألا وهو إرساء مبدأ حسن الخلق بين أفراد البشر. ولم يصبح هدف البشر الآن إلا التعبد دون أدنى اهتمام بتحقق
الثمرة المرجوة من العبادة، ألا وهو حدوث تزكية النفس!!
.
.
أهمية حسن الخلق:
إن المتأمل في نصوص القرآن، يجد أن تزكية النفس مقدمة على تعلم العلوم الشرعية للقرآن والسنة. وتأمل قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ
يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [ البقرة:151] ، وقوله: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [ آل عمران: 164 ]، وقوله: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي اْلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } ] الجمعة: 2 [. نجد أنه سبحانه حينما تكلم عن إرسال الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، حدد مهمته في
التزكية ثم تعليم الكتاب والسنة. وانظر الفرق بين ذلك، وبين قول البشر الذين يتعجلون العلم ويريدونه قبل حدوث تزكية النفس، كما جاء على لسان
إبراهيم عليه السلام، كما في قوله عز وجل: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } ] البقرة: 129 [، حيث
قدّم تعليم الكتاب والسنة على التزكية.
وتزكية النفس بدايتها ونهايتها التوحيد. ويدخل في ذلك تطهير النفس من أمراضها وتحقيقها بكمالاتها. ومنعها المحرمات وإقامتها للطاعات. والأمر
واسع جدا. وتزكية الأمة بإقامة شرع الله كاملا، والأمر كذلك واسع.[5]
والتزكية في الحقيقة شيء زائد على العلم. فالعلم يعطي القواعد والبيان لكل شيء. أما التزكية فهي تطبيق هذا العلم على النفس البشرية، وأمراضها،
وأغراضها، ومعرفة بالتطبيب وطرقه، ومعرفة بالكمال وكيفية النقل إليه، وأدوات ذلك، وفراسة خاصة بكل نفس لنقلها من حال إلى حال. وهذا شيء
للكسب فيه نصيب. ولكن عطاء الله هو الأساس ] وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [ ] البقرة: 269 [.[6]
ولم يشرع الإسلام العبادات بكافة صورها طقوسا ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل إن كل عبادة تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن
تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لهذه العبادة، وأن تتضح جليا في شخصيته وتعاملاته مع الغير، وأيضا فيما يرسمه لذاته من إطار يحرص على
الالتزام به ولا يحيد عنه.[7]
إن العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس. ولابد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين أفراد
المجتمع، فتحسنها وتهذبها، وإلا فما علاقة أن الصلاة – مثلا – تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما في قوله تبارك وتعالى: ] إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ [ ] العنكبوت: 45 [ ؟!! فالفحشاء والمنكر هما جماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظهران إلا في التعامل مع الناس في المجتمع.
كما أن العبادة، وإن كانت هي علاقة بينك وبين ربك، إلا أن السلوك يتجلى فيها أيضا. ففي الصلاة، أنت مأمور في أداء الصلاة في جماعة، لكي تحتك
بالناس وتتفاعل معهم. والمرأة مأمورة بعدم الخروج للمسجد متعطرة متبرجة حتى لا تفتن الرجال. وفي الزكاة، إذا أعطيت المحتاج مالا ثم مننت عليه، فقد أبطلت صدقتك. وفي الحج، أنت مأمور بضبط الأخلاق أثناء الزحام. وهكذا، ففي كل عبادة، يتجلى مظهر من مظاهر السلوك، الذي يجب أن تتحلى به وتلتزم به.
وقد جاء الإسلام فسعى إلى ترسيخ القيم النبيلة فيما بين أفراد المجتمع. وكان من أولى القيم التي حرص الإسلام على تعميقها في وجدان أفراد المجتمع
هي قيمة التآخي بينهم. فكان أول شيء فعله الرسول صلوات الله عليه وسلامه بعد هجرته إلى المدينة المنورة هو الإخاء بين المهاجرين والأنصار. فجعل
بذلك رابطة الإخوة بالانتساب للإسلام أقوى من رابطة الإخوة بالدم. وهذا هو الذي حفظ المجتمع المسلم من كيد الكائدين من حوله. ولكن للأسف لم يعد
لهذه القيم الآن وجود. فنجد على سبيل المثال أن احتلال الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق جاء بسبب خيانات عديدة من جانب بعض أفراد المجتمع
العراقي، الذين جروا وراء المال. فلم يعد يهم هذه الفئة من الخونة أن يُقتل أخوه أو يُشرّد، أو تُغتصب أخته أو تُعتقل، وإنما كل همه هو تحقيق مصلحته
الشخصية. فسادت بذلك في المجتمع المسلم قيم الأنانية والفردية، وطغت مبادئ غريبة بين أفراده، مثل مقولة شهيرة أصبحت هي دستور حياتهم الآن،
ألا وهي: " أنا ومن بعدي الطوفان ". ولم يعد هناك مجال لقيم الإيثار والتضحية بالنفس في سبيل المجموع والإخاء فيما بين أفراد المجتمع. وهذه هي
الطامة الكبرى، ونذير انهيار أي مجتمع تسود فيه مثل هذه الأفكار!!!
.
.
سلوكيات المسلمين في الوقت الراهن:
نخلص مما سبق إلى أن تزكية النفس من الأشياء الأساسية، تتساوى في أهميتها مع أداء العبادات ذاتها. لكن ماذا حدث في واقعنا المعاصر؟ إن المشاهد
لسلوكيات المسلمين في الوقت الراهن لتصيبه دهشة شديدة مما آل إليه أمر المسلمين! حتى لقد انتشرت مقولة: إن في بلاد المسلمين إسلام بلا مسلمين،
وفي بلاد الغرب مسلمين بلا إسلام!! وذلك للدلالة على عدم اتصاف المسمين بأي أخلاق للإسلام، في الوقت الذي يتحلى فيه الغربيون بكل صفات الإسلام مع عدم إسلامهم!!!
والأمثلة على ما ذكرت كثيرة للأسف. وعلى سبيل المثال: كنا في صلاة التراويح نجد المصلين يتعاركون على حجز أماكن للوقوف بالصف الأول، الأمر
الذي كان يترك من المرارة الشيء الكثير في نفوس المصلين. وبدلا من أن تسود روح الود بينهم، إذا بالبغضاء والشحناء تطغى على نفوسهم. فهل هذا
السلوك صحيح؟
وحكى لي أحدهم عن جماعة من الأصدقاء دخلوا المعتكف معا في الأيام العشر الأخيرة من رمضان، فإذا بهم بعد فترة الاعتكاف وقد تحوّلوا إلى أعداء
متشاحنين يبغض بعضهم بعضا، بعد أن كانوا من قبل إخوة متحابين. ذلك أن طول عشرتهم واحتكاكهم ببعضهم أفضت إلى ما لا يحمد عقباه من إظهار
مساوئ السلوك والأخلاق في حق بعضهم البعض.
وحكى لي آخر عن شيخ طويل اللحية كان يصطحب حفيدا له أثناء أدائه لإحدى الصلوات في المسجد. وفي أثناء الصلاة قام الطفل بالجري واللعب في
المسجد بين المصلين. فلما انتهت الصلاة، إذا بهذا الشيخ يلطم الطفل لطمة شديدة جعلت جميع من في المسجد يستنكرون هذا السلوك الفظ منه، ويُرجعون كل السلوكيات الخاطئة إلى أصحاب اللحى!!!
وتجد بعض الناس لا يفتر لسانه عن ذكر الله طوال طريقه، فإذا حدثت مشاحنة بسيطة بينه وبين من يقود سيارته بجواره، إذا بسيل السباب والشتائم يندفع من لسانه الذي كان يذكر الله حالا.
وفي مكة، أثناء أدائك لمناسك الحج أو العمرة، تأمل ما يحدث من الشحناء بين الناس في سبيل الوصول للحجر الأسود لكي يلتزمه ويقبله، وهي سنة
بينما ما يسببه من أذى للناس هو معصية!! بل رأيت بعض المصلين قطع صلاته قبيل تسليم الإمام حتى يتسنى له الوقوف بجانب الحجر الأسود ومسه بيديه.
كل ذلك أدى لحدوث هذا الانفصام النكد بين الدين والأخلاق، أو بين العبادة والسلوك الذي نجده فينا الآن. ومن أمثلة بعد الدين عن السلوك كذلك، أننا
نجد أحدهم يصلي ويصوم ويجتهد غاية الاجتهاد في العبادة، ولكنه لا يضبط بيته، فتخرج زوجته سافرة، أو هو لا يتابع بنته في خروجها ودخولها، أو لا يعرف شيئا عن صديقاتها.
وبعضهم يتحجر تحجرا شديدا في مسألة من مسائل العبادة، يريد أن يتقيد ويلتزم بها تمام التقيد والالتزام، ولكنه حين نأتي للسلوك نجد منه تهاونا شديدا ومخلا في تطبيق هذا السلوك؟!!
إن أية حضارة تقوم على دعامتين: علمية وأخلاقية. وهذا ما يؤكد لنا قرب انهيار الحضارة الحيوانية السائدة والمهيمنة على العالم الآن. ولكنه في ذات
الوقت لا يبشر بأن تكون أمة الإسلام هي الوارث الطبيعي لهذه الحضارة، ذلك أن أخلاقيات أمة الإسلام ما زالت بعيدة عن المستوى الذي يمكن أن تقود
به العالم الآن. وسقوط الأمة في إحدى هاتين الدعامتين يؤدي لسقوطها في الأخرى ولا شك، ومن ثم انهيارها واندحارها فيما بعد. ولننظر إلى الإسلام
وكيف انتشر في أنحاء العالم. كان ذلك بسبب أخلاق التجار الذين حملوا معهم رسالة الإسلام وهم يجوبون العالم شرقا وغربا، فأدى ذلك لاعتناق
الكثيرين للإسلام ودخولهم في دين الله أفواجا.
فضل الخلق الحسن:
.
.
وتتعدد النصوص في فضل الخلق القويم والحث على التحلي والتمسك به:
? فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها.
قال: هي في النار. قال: يا رسول الله! فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصَدّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها.
قال: هي في الجنة.[8] فانظر كيف لم تُجدِ كثرة العبادة مع انعدام حسن السلوك!! بل انظر ماذا فعل حسن الخلق رغم قلة العبادة!!! ( الأثوار: جمع ثور،
وهو القطعة من الأقط، والأقط: اللبن المجفف )..
..
>>>fg,y hgNthr fsl, hgHoghr>>>>>>>>>>>>
جزاكي ربي الجنة أختي رميسة موضوع راائعة وقيم ومميز جدا .
اللهم اجعل فينا حسن الخلق و كثرة العبادة ..
فلتكن سفينتنا التقوى .. شعارها وقل اعملو .. ربانها الذين يسارعون في عمل الخيرات .. حتى نصل الى شاطيء الجنه ..
فالمؤمن يزنه ايمانة بحسن السلوك والتعامل الطيب مع جميع الناس…
بوركتي اختي رميسه موضوع رائع وقيم
أسأل الله أن يحسن خلقنا ولا يحرمنا من
النظر الى وجهه الكريم ويجمعنا مع حبيبنا
محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه اجمعين…..